الخطوة الأخيرة

مراحل العمر تمر أمامي كبرومو فيلم ستينى درامى .. ذلك النوع من الأفلام الذى يمتد اسمه لسطرين وتتشابك حكاياه وتتقاطع وتتقابل وتنتهى فى مسارات مختلفة، كذلك الحياة – أو حياتى أنا بالأحرى، تتشابك وتتشابه حدّ أنى صرت أعالج حالة النسيان الغريبة فى مثل سني بالأنماط.
كمثل الكتابة : لماذا توقفت كثيراً عن ممارسة هوايتي القريبة إلى قلبي، لماذا هذه الفوارق الدهرية الكبيرة بين كل مرة ومرة ؟ لا أتذكر السبب بكل تأكيد، لكن لعبة الأنماط تجيب عنى :
تركت الكتابة كل هذا الوقت لأنى لم أعد أرتشف طعم المغامرة. ياااه ‘إجابة منمقة نمطية تليق بكاتب عجوز أسند ظهره لعتبة الدنيا ويستثمر فى العالم الآخر، لكنها حتماً ليست ترسمنى.
عابس أنت يا أحمد ..
حقاّ
إذا فلتمنحونى حق الإجابة : إنها الحياة المرهقة ..
إنها مرهقة، لكنها ليست مرهقة كعقل صديق – قريب – أو كان إلى حد ليس ببعيد، جائني صوته عبر الهاتف متهدج يصرخ فيَّ بسؤال واحد طيلة عشر دقائق : لماذا غادرت حياتي فجأة ؟
أراد إجابتى – أعرف أنه أراد من أقصي قاع قلبه ذلك – وأردت أن أجيبه أنه رائع حد الموت، لكنى غادرت القطار لأن محطتي قد حانت، ليس لأنه منبوذ … نحن محطات يا صديق، ليس إلا.
مرهقة الحياة .. كما سؤال : هل المتعة ستستمر أم ستنقضى .. بمعنى آخر هل ستظل الحياة بمذاق حتى لو مر، أم أن رياح الأيام تدهس مجسات التذوق ؟
بعد يومين سأدخل آخر امتحان فى الكلية، آخر خطوة فى علاقتي الطويلة بالتعليم، وآخر مرة سأرى فيها زملائى المهاجرين من شرق البلاد وغربها، ولا نعلم هل ستتلاقى الأنفس مرة أخرى أم ستتنطوى الورقات ..
……
هذه الحياة قد أقبلت بأفلاذها وأكبادها، تفتح ثقوبها السوداء من أقصاها إلى أقصاها كى تلتهمنا شحماً ولحماً ثم لتلقينا على قارعة الطريق عظماً أو أن نتمرد على نواميسها..
تذكرت الآن يومأ : كنت أقطع النواصى مسرعاَ لكى ألقى زميلاَ لى – نسيت اسمه ويا للعجب – كى آخذ منه ورقاً لمادة الأدب والنصوص أيام امتحانات الثانوية الأزهرية .. كان الجو مغربياً وكانت القهوة على شاشتها الكبيرة – آنذاك فى أواسط 2012 – قناة الجزيرة تذيع مشهداً لأحد القضاة يعلنها :
” السيد محمد مرسى العياط رئيسا للجمهورية” … كنت أطرب من وقع الجملة، أطرب من ” الزيطة ” وليس من الخبر، وليت حينها لألقى زميلى وألتقط بعض الورقات لأذاكر”
ها أنا الآن : فى أواسط 2017، فقدت شغف المذاكرة، وحب شاشة التلفاز، ونهم السياسة، ونور الثورة، والتقطت جهاز الكمبيوتر الخاص بي ووضعته على حجرى وجلست أكتب ..
ما يضيرنى حقا ويشغل بالى : هوه أنه لا بد أن أتعلم كيف أضحك، كيف أرسم، أتعلم كل ما أريده، أغرد كيفما أريد .. أن أعيش بصدق وأن أكتب ..

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>