إليك يا أنا … 1

على كرسىّ الهزاز فى غرفتى بعيدا عن دوشة الأولاد، وصريخ روبانزل، و روائح الأطعمة التى تُحضر فى المطبخ وتقلب المعدة رأسا على  عقب كأنها غرفة من غرف الصغار ..
الجو بارد، منذ عشرين سنة فى اخر سنة فى الجامعة كانوا يقولون بأن غلاف الاوزون به ثقب،  لم يعد ثقبا بكل تأكيد كما لم يعد كل شئ منذ كنا من عشرين سنة ..
ياااه … الشعر الأبيض يغزو رأسى كأنه جيش من المغول يخترق المشرق، ورثته من والدى وأعمامى، يشعرنى بأنى كبرت، وفعلا هذه حقيقة على كل حال، يقولون أن القصد فى الروح : لو كانت عاشقة تظل شابة لا يهمها تضاريس العمر ولا برد الذكريات، ربما لا أدرى ..
منذ زمن لم آخذ أجازة … وعدت روبانزل أن أقضى يوما فى البيت وها أنى أقضى وعدى .. روبانزل هى رفيقتى منذ عشرين سنة، صديقتى الوفية وزوجتى الصبورة … عنيدة أشارت لى أكثر من مرة تلميحا أنى لم أحضر غداء فى البيت ..
هذا غير طبيعى، طوال عقدين لم يطلب أى منا من الآخر شيئا، كان يكفى التلميح مرة واحدة، ليتم المراد فى أضيق مدة زمنية ممكنة… فأن تلمح أكثر من مرة هذا يعنى أن الأمر جلل ..
” بابا : يلا بينا الاكل جهز ”
بابا .. بابا .. هذه فى أحيان كثيرة تكون أجمل كلمة تطرق أذنى، منذ تقدمت لخطبة روبانزل اكتشفت فى نفسى حنانا تجاه كل الأطفال الذين أتعامل معاهم:  فى الصيدلية التى أتدرب فيها، فى البيت إخوتى الصغار جودى ورفيدة، فجأة أصبحت أداعبهم بكل صبر وترحاب، كنت أتطلع إلى طفلة صغيرة تشبه روبانزل ..
كانت روحى تبغى أن يجمعنى بروبانزل مشروع صغير، مشروع يتكون من كلينا، من لحم ودم، مشروع صغير نملكه نحن الاثنان … وكانت ندى الصغيرة هى ابنتنا الأولى، ملأت علينا البيت رقة ورحمة وجمالا، كانت تشبه أمها إلى حد بعيد .. كانت أيضا عنيدة، ومجنونة كما كانت روبانزل ..
أحب فيها هذا الشبه الكبير لذا هى الفتاة المدللة فى البيت، يغار منها إخوتها، هذا كان قسمى فيما لا أملك حقيقة، فقلوبنا ليست خاضعة لأوامرنا، ولا تسير خلف عقولنا، بل إذا نبضت .. تنبض للأبد
حين جائت ندى الصغيرة إلى هذه الدنيا عزف قلبى وقلب روبانزل سيمفونية فريدة، لم نكن نتصور أن قلوبنا قادرة بعد كل هذه السيموفنيات الصادقة، أن تحب أكثر، أدهشنا ذلك كما كنا نندهش كل يوم حين نزداد حبا …
كنا فى فندق متواضع فى بروكسل حينما قلقت من نومى لأجد روبانزل تبكى، كنا فى زيارة لبلجيكا لحضور حفل زفاف إياد صديقى الفلسطينى على فتاة من بلجيكا، إياد أصر علي أن أحضر فرحه لأنه يعتبرنا أنا وروبانزل عائلته الوحيدة … زرنا بروكسل صباحا، كان من المفترض أن نذهب فى جولة فى المدينة التى نزورها لأول مرة، قالت لى روبانزل على غير عادتها أنها تود البقاء فى الفندق لأنها مرهقة، شئ طبيعى أن حمل الشهر السابع يفعل مثل ذلك …. قضيت اليوم نائما، وحينما وجدتها تبكى، فزعت .. قالت لى : شكلى هاولد يا احمد …
رددت بعفوية : يادى النيلة =D

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>